مقالات مقال رأي بقلم: علاء الشيخ خبير العقارات

علاء الشيخ يكتب: من “الطابو” إلى “التوكن”.. ترميز العقارات يكتب الفصل الجديد للعقار المصري

منذ عقود طويلة، ظلّ “الطابو” – أو سند الملكية الورقي – هو الحلم الأكبر لكل من يسعى لامتلاك عقار في مصر.

شهادة ملكية محاطة بالهيبة القانونية، لكنها أيضًا محاطة بتعقيدات التسجيل، وتضارب الجهات، وطول الإجراءات، وغياب الشفافية.

واليوم، وبعد أن أصبح العالم يتداول العقارات كما يتداول العملات والأسهم، بات واضحًا أن العقار المصري بحاجة إلى شيء أعمق من التحديث الإداري أو التحول الورقي: إنه بحاجة إلى ثورة رقمية تُعيد تعريف الأصل العقاري ذاته.

وهنا تبرز قوة فكرة “ترميز العقارات”، أو ما يُعرف بالتوكن العقاري، باعتبارها المرحلة التالية في تطور السوق العقاري، والبوابة التي تنقلنا من حقبة الأوراق والأختام، إلى عصر الأصول الرقمية، والسوق المفتوح، والتداول العابر للحدود.

في جوهرها، تقوم فكرة التوكن العقاري على تحويل الأصل العقاري إلى “رمز رقمي” يتم تداوله على منصات رقمية مؤمنة بتقنية البلوك تشين.

هذا الرمز يمثل حصة مملوكة من العقار، يمكن بيعها أو شراؤها أو تداولها بسهولة. ويعني ذلك أن العقار لم يعد يلزم بيعه بالكامل أو امتلاكه دفعة واحدة، بل يمكن لأي مستثمر – محليًا أو عالميًا – أن يمتلك جزءًا منه مقابل قيمة مالية بسيطة، ويدخل في سوق استثماري مفتوح وعادل.

في السوق المصري، هذه الفكرة لا تعني فقط تطويرًا تقنيًا، بل تعني إصلاحًا هيكليًا عميقًا. القطاع العقاري، رغم ضخامته، يواجه أزمات في السيولة، وتعثر في التمويل، وصعوبة في تسجيل الملكيات، وعزوف من الطبقة المتوسطة عن الدخول كمستثمرين بسبب ارتفاع التكلفة وضعف الأدوات.

التوكن العقاري يمكنه ببساطة أن يفتح هذا الباب المغلق، ويحوّل العقار من أصل جامد إلى أصل استثماري حي، سهل الدخول، وسهل التسييل.

الأمر لا يقتصر فقط على المطورين، بل يمتد إلى الدولة ذاتها. مصر تمتلك محفظة ضخمة من الأراضي والمباني والأصول التي لا تحقق العائد المطلوب.

وإذا تم ترميز هذه الأصول جزئيًا، وتداولها من خلال منصات رسمية، ستتمكن الدولة من جذب مليارات الجنيهات دون بيع الأصول بالكامل أو التفريط فيها. سيكون هناك نموذج جديد للتمويل، أكثر مرونة، وأقل تكلفة، ويحقق الشفافية والمساءلة في الوقت نفسه.

لكن، كما هو الحال مع أي ثورة، فإن ترميز العقارات يحتاج إلى إرادة سياسية وتشريعية حقيقية. لا يمكن أن يتحقق هذا النموذج من خلال اجتهادات فردية أو مبادرات محدودة.

نحن بحاجة إلى بيئة تنظيمية واضحة، تتكامل فيها الجهات الرقابية مع المطورين وشركات التكنولوجيا المالية، ويتم إنشاء “صندوق تجريبي” لتطبيق التوكن العقاري على نطاق ضيق أولًا، تمهيدًا للتوسع المدروس لاحقًا.

ما يجعل هذه الفرصة أكثر إلحاحًا أن العالم يتحرك بسرعة. الإمارات بدأت تطبيق مشاريع التوكن العقاري منذ أكثر من عامين، وسويسرا تتيح شراء وحدات عقارية عبر رموز رقمية قابلة للتداول، وسنغافورة أنشأت أول بورصة عقارية رقمية في آسيا.

وإذا تأخرت مصر في هذه المرحلة، فستخسر فرصًا استثمارية ضخمة، وسيتحول العقار من كونه فرصة وطنية، إلى كونه أصلًا تقليديًا فاقدًا لقيمته السوقية أمام الأصول الرقمية الجديدة.

إن الانتقال من “الطابو” إلى “التوكن” ليس فقط تحوّلًا في طريقة التملك، بل هو تحول في فلسفة السوق العقاري بالكامل. من سوق مغلق ومحدود، إلى سوق مفتوح ومتجدد.

من ملكية فردية معقدة، إلى استثمار تشاركي سلس. من بطء في الدورة العقارية، إلى تداول مرن وفوري.

وهذا التحول إذا تحقق، فلن يدعم فقط قطاع العقارات، بل سيكون رافدًا أساسيًا للاقتصاد الوطني، ووسيلة لجذب رؤوس أموال جديدة، وتنشيط حركة السوق، وتقديم مصر كنموذج إقليمي في قيادة الاقتصاد الرقمي العقاري.

نحن الآن أمام مفترق طرق: إما أن نتمسك بعالم الطابو، بكل ما فيه من بطء وتعقيد، أو أن نكتب سويًا الفصل الجديد للعقار المصري من خلال التوكن، برؤية اقتصادية، وتشريعات مرنة، وشجاعة في اتخاذ القرار