د. أحمد أبو علي يكتب: ماذا لو امتلكت الحكومة نصف رؤية الرئيس؟

في كل لحظة يخرج فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي ليتحدث إلى الشعب أو يفتتح مشروعًا أو يُعلّق على تحدٍّ، يشعر المتابع أن الرجل يسبق الحدث بخطوتين على الأقل، وكأنه لا ينتظر الأزمة لتقع حتى يتحرك، بل يستشعر الخطر مبكرًا، ويتعامل معه بعقلية استباقية. هذه القدرة على “رؤية القادم” ليست مجرد ميزة شخصية، بل هي نموذج في إدارة الدولة كان من المفترض أن تتبنّاه كل المؤسسات، وبالأخص الحكومة.
الرئيس السيسي لا يعمل بمنطق رد الفعل، بل بمنطق المبادرة، التحرك، والاستعداد لما هو أصعب. هذه العقلية هي ما أنقذت الدولة المصرية في لحظات حرجة، بدءًا من ملف الكهرباء، إلى البنية التحتية، وحتى الأمن الغذائي والدوائي. لكن المفارقة المؤلمة أن الأداء الحكومي في أحيان كثيرة لا يُشبه هذه الرؤية، بل يبدو أبطأ منها، وأكثر ترددًا، وأحيانًا أقل وعيًا بحجم المخاطر.
السؤال الذي يجب أن نواجهه بصراحة هو: لماذا لا تنعكس ديناميكية الرئيس على أداء الحكومة؟ ولماذا يبدو الجهاز التنفيذي في كثير من الملفات وكأنه ينتظر الكارثة حتى يبدأ في التفكير؟ وهل يُعقل أن تكون لدينا قيادة ترى وتتحرك، وحكومة تنتظر وتُبطئ؟
لو امتلكت الحكومة نصف رؤية الرئيس فقط، نصف درجة الحماس، ونصف القدرة على الاستشراف، لتغير شكل الأداء، ولقُلّصت فجوة الاستجابة، وتفادينا الكثير من الأزمات التي انفجرت لأن أحدًا لم يقرأ مؤشراتها في وقتها. إن إدارة الدول الحديثة لا تحتمل “الإدارة بالروتين”، ولا تقبل “القرارات المعلقة”، خصوصًا في ظل ما تواجهه مصر من ضغوط اقتصادية إقليمية ودولية.
والأخطر من البطء، هو غياب التناغم. فبينما تتحرك القيادة السياسية نحو ملفات بعينها بسرعة وإصرار، تظل بعض الوزارات أو المحافظات أو الهيئات تتحرك بوتيرة مختلفة تمامًا، وكأنها لا تعمل ضمن ذات الخطة الشاملة. وهذا الخلل يُضعف النتائج، ويُبدد المجهود، ويخلق شعورًا لدى المواطن بأن هناك من لا يشعر بحجم الأزمة.
ما تحتاجه الحكومة ليس فقط تطوير أدواتها، بل إعادة إنتاج ذهنيتها بالكامل. يجب أن تعمل الوزارات والهيئات بنفس الروح التي يعمل بها الرئيس: بالاستباق، بالحرص، بالشفافية، وبقراءة المؤشرات لا انتظارها. ويجب أن تكون هناك آلية واضحة لمحاسبة من يتقاعس، أو من لا يمتلك القدرة على مسايرة سرعة الدولة.
لقد أثبتت السنوات الأخيرة أن الرئيس السيسي يتحمل أعباءً مضاعفة، ليس فقط لأنه يقود معركة تنموية شرسة، بل لأنه كثيرًا ما يكون في موقع “المنبّه والمحفز والمُصلح”، في حين أن هذا الدور كان يجب أن تتولاه جهات تنفيذية تعمل كفريق واحد، لا كجزر منعزلة.
إن التحديات القادمة، من تغيرات اقتصادية عالمية، إلى متغيرات إقليمية حساسة، تتطلب أن يكون الأداء الحكومي مرنًا، يقظًا، وذكيًا. لا مكان في المرحلة المقبلة لمن ينتظر التعليمات، أو يتحرك بناءً على الحرج لا القناعة. نحن بحاجة إلى حكومة تُجيد قراءة الاتجاهات، وتملك شجاعة التحرك السريع، ومرونة التعامل مع الواقع.
وفي النهاية، يبقى الرهان على “القدوة”، وقد أثبت الرئيس المصري أنه قدوة في التحمل والرؤية والعمل المستمر. ويبقى السؤال: متى تتحرك الحكومة بنفس الإيمان والجهد والحرص؟ فلو امتلكت نصف هذه الروح فقط، سنصل أبعد بكثير مما نحن فيه.
كاتب المقال د. أحمد أبو علي – الباحث والمحلل الاقتصادي المصري