قدرة البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي على مواجهة التحديات والمخاطر

على خلفية تسارع وتيرة حدة الأزمة المالية الحالية، ظهر جلياً الدور الحيوي والفاعل للقطاع المصرفي في مواجهة كافة التحديات المحيطة على كافة المستويات، ومواجهة الأزمة المالية والنقدية والتي كان وقعها هو الأشد على الاقتصاد المصري؛ تَبدى ذلك في قدرة الجهاز المصرفي على تعبئة الموارد المالية، من أجل ضخها في شرايين الاقتصاد المختلفة، وكان له دورا فاعلاً في تخفيف حدة الأزمات المالية المتتالية منذ بداية ازمة كورونا مرورا بالأزمة الروسية الأوكرانية، وممارسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشان اسعار الفائدة الأمريكية، واخيرا الحرب الدائرة في قطاع غزة والتي تتوالى تداعياتها السلبية خلال الفترة القليلة القادمة، كل ذلك بفضل القوة المؤسسة التي يتمتع بها البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي المصري.
فقد اظهرت اخر تحديث للبيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري، عن نمو ودائع القطاع المصرفي غير الحكومية لتسجل نحو 5.791 تريليون جنيه بنهاية يوليو 2023، مقابل 5.411 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2022، في حين سجلت قيمة الودائع لأجل وشهادات الايداع ما قيمته 4.685 تريليون جنيه بنهاية يوليو الماضي، مقابل 4.503 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر من العام الماضي، وبما يشير إلى اصرار الجهاز المصرفي المصري على مواصلة مسيرة العطاء، وتحقيق الريادة والتميز على كافة المستويات.
وانطلاقاً من استعداد الجهاز المصرفي لتنفيذ العديد من الاستراتيجيات التي من شأنها زيادة قوة البنية المؤسسية للقطاع، وبشكل خاص استراتيجية الشمول المالي، والذي دأبت البنوك على تنفيذها على فترات متعاقبة، فقد يكون من المناسب في تلك الفترة والتي تتزامن مع إطلاق مبادرة فتح حسابات للعملاء الجدد مجانا؛ ان تتجه البنوك لاستقطاب شريحة من العملاء من الجاليات الأجنبية المتواجدة على الأرض المصرية، والتي قد يتجاوز عددها تسعة ملايين نسمة، من خلال إجراء حزمة تشريعية تكفل فتح حسابات مصرفية لهم، مع مراعاة ما يحول دون ذلك، فيما يتعلق بالإقامة الدائمة والطارئة، ومراعاة كافة النواحي القانونية الأخرى التي توفر الضمانات اللازمة للبنوك، وتحقق اقصى استفادة ممكنة للعملاء الوافدين، وفي نفس الوقت إستهداف شريحة واسعة من العملاء حائزي العملات الأجنبية المختلفة، وبما يوفر حصيلة وافرة من موارد النقد الأجنبي بشكل كبير، كما يمكن أيضا توفير منتجات مصرفية من منتجات الجاري مدين والقروض بالضمان النقدي فقط، اي ان يتم منح قروض مصرفية او تسهيلات ائتمانية بضمان الودائع الخاصة بالعملاء في البنوك، وبقيمة تسليفية منخفضة لا تزيد عن 50٪ من قيمة الودائع الضامنة.
ولا شك ان هذا التوجه قد يكون له وجاهته الفائقة، في ظل سعي الدولة المصرية على الانضمام إلى التحالفات الاقتصادية، وبصفة خاصة الانضمام لمجموعة بريكس، حتى يتم خدمة المستثمرين الأجانب من مواطني دول المجموعة، وهذا الأمر ليس بجديد، فقد تم التطرق إلى هذا التوجه في فترة سابقة، عندما كانت الحكومة بصدد إيجاد تمثيل مصرفي لتركيا والصين من أجل خدمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل مصر.
بالاضافة الى ان اجراء تعديلات تشريعية تكفل تسهيل استقبال وصرف التحويلات الخارجية وفتح الحسابات المصرفية، بل والحصول على قروض بضمان نقدي للودائع المودعة في البنوك العاملة داخل مصر، من شأنه ان يخلق بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي تراهن عليها الدولة المصرية في الفترة الأخيرة.
والحقيقة ان هذا التوجه من قبل المركزي المصري، من المؤكد انه سيخلق شريحة جديدة من العملاء الذين يتعاملون مع الجهاز الرسمي للدولة، وعدم التسرب إلى السوق الموازي للنقد الأجنبي، مما يعظم من قيمة المدخرات بالعملات الإجنبية لدى البنوك العاملة في مصر، ويسهل عمليات التبادل التجاري بين الأجانب المقيمين في مصر وغيرهم من العالم الخارجي، مما يؤدي إلى تحقيق اقصى استفادة ممكنة لكافة الأطراف.
ومن جهة أخرى، استطاع الجهاز المصرفي ان يتبنى العديد من المبادرات التي تكفل جلب المزيد من موارد جديدة للنقد الأجنبي، من خلال تطرق مصادر غير تقليدية لتدفق المزيد من موارد النقد الأجنبي، من بينها : طرح شهادات دولارية بعائد مرتفع يصل لنحو 7٪ & 9٪ يصرف العائد بذات العملة او بالعملة المصرية على الترتيب، وغيرها من المبادرات الأخرى التي يكون فيها القطاع المصرفي مشارك اساسي او حتى بشكل مساند، كما الحال في مبادرة تصدير العقار، من خلال اتاحة شراء العقارات سواء المقدمة من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، او المطورون العقاريين من القطاع الخاص، للعاملين بالخارج والأجانب للشراء بالدولار الأمريكي او العملات الأخرى، حيث سيكون للقطاع المصرفي دور داعم بشكل كبير، من خلال التحويلات الخارجية او تبني منتجات مصرفية مخصصة لهذه الفئة، عن طريق استخدام الأرصدة الدولارية للعاملين بالخارج في البنوك في مصر، في منح قروض ميسرة بضمان تلك الأرصدة للاشتراك في مبادرة تصدير العقارات.