د. أحمد أبو علي يكتب : تدخّل الرئيس لحظة تصحيح تُعيد الثقة لمسار الممارسة السياسية في مصر
في تاريخ الدول، هناك لحظات تتجاوز حدود التصريحات المعتادة، ولحظات يحتاج فيها المشهد السياسي إلى كلمة فاصلة تُعيد ميزان الثقة إلى نصابه.
والحقيقة أن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن ما دار في بعض الدوائر الانتخابية لم تكن مجرد تعليق عابر، بل جاءت كدورٍ أصيل من أدوار الدولة في حماية نزاهة الممارسة السياسية وتحصين إرادة المواطنين.
لقد كان لزامًا أن يُقال هذا الكلام، وكان ضروريًا أن يُعلن على العلن، حتى تدرك الرأي العام أن الدولة، على أعلى مستوى، ترى وتتابع، ولا تتجاوز أي ملاحظات أو شكاوى تُثار حول العملية الانتخابية.
الرئيس وتثبيت مبدأ الإرادة الشعبية
تدخّل الرئيس لم يكن “مجاملة” لطرف، ولا “انتصارًا” لفكرة سياسية ضد أخرى؛
بل كان انتصارًا لمبدأ واحد وحيد: أن إرادة الناخب هي الأساس الذي لا يجوز الاقتراب منه أو الالتفاف حوله.
وعندما يعلن رئيس الجمهورية بنفسه ضرورة مراجعة ما جرى، والتأكد من أن كل صوت حُسب كما يجب، فهو بذلك يرسّخ قاعدة شديدة الوضوح:
لا سلطة تعلو فوق سلطة اختيار المواطن، ولا شرعية تُبنى فوق ثغرة في نزاهة الصندوق.
هذا التدخل يشكّل ضمانة سياسية لا تُشترى، ورسالة مباشرة لكل الأطراف بأن الديمقراطية ليست شعارًا، بل ممارسة تُراقب وتُراجع وتُصحّح عند الحاجة.
هل يكشف التدخل عن وجود خلل؟
الإجابة المنطقية والصريحة: نعم، وجود التدخل يعني وجود ملاحظات تستوجب التصحيح.
لكن هذا ليس موضع القلق… بل موضع القوة.
الدول لا تُقاس بغياب المشكلات، بل بقدرتها على مواجهتها وفرض الانضباط على الجميع دون استثناء.
والاعتراف بوجود ممارسات غير منضبطة، أو تصرفات تثير الشكوك، هو أول خطوة لتطهير العملية السياسية من أي عوار يُفقدها معناها الحقيقي.
الرئيس… وانحياز واضح للمواطن قبل أي اعتبارات
من يتابع المشهد يدرك أن الرئيس، بكلامه اليوم، أعاد ترتيب الأولويات:
المواطن أولًا… ثم المواطن… ثم المواطن.
لم ينحز الرئيس لتيار، ولا لقبيلة سياسية، ولا لحسابات تحالفات أو دوائر نفوذ.
بل انحاز لأبسط مواطن وقف في طابور الانتخاب مؤمنًا بأن صوته أمانة… وأن الدولة ستحافظ عليه حتى آخر لحظة.
والأهم في كل ذلك، أن هذا الانحياز جاء من أعلى نقطة في هرم السلطة، ليؤكد أن لا وجود لأي حاجز بين صوت المواطن وبين الرئيس… لا وسيط سياسي، ولا مصالح محلية، ولا ترتيبات انتخابية.
الصوت يصل… والمتابعة مستمرة… والقرار في النهاية لما يريده المصريون.
أثر التدخل على ثقة الشارع
هذا النوع من الرسائل ليس سياسيًا فقط؛ بل هو رسالة طمأنة اجتماعية.
الشعب، بطبيعته، يريد أن يرى أن صوته يُحترم وأن إرادته تُحمى، وأن الدولة لا تتهاون مع أي طرف يحاول العبث بقواعد المنافسة.
ولذلك، فإن تصريحات الرئيس اليوم أعادت قدرًا كبيرًا من الثقة، وقدّمت نموذجًا لما يجب أن تكون عليه الممارسة السياسية في مصر:
مفتوحة، خاضعة للرقابة، قابلة للمراجعة، ومحمية من أي تجاوز.
كلمة تُعيد السياسة إلى مسارها الصحيح
في النهاية، ما جرى لم يكن مجرد حديث، بل موقف دولة.
موقف يؤكد أن الديمقراطية ليست شكلًا، بل مضمونًا؛
وأن الانتخابات ليست عملية إجرائية، بل عقد ثقة بين المواطن ودولته.
ومادامت الدولة قادرة على تصحيح مسارها، والاستجابة الفورية لأي خلل، فالمشهد السياسي يسير نحو نضج حقيقي… ونحو ممارسة تحترم العقل، والإرادة، وصوت الناس.
لقد قال الرئيس ما كان يجب أن يُقال… وأثبت أن المواطن ليس على هامش السياسة، بل في قلبها.
وتلك هي الرسالة التي يجب أن تبقى.

