مقالات مقال رأي بقلم: د. رمزي الجرم

التحديات التي تواجه الدولة في العام الجديد

لا شك أن التحديات الاقتصادية امام صانع القرار، سوف تكون أكثر حدة خلال الفترة القليلة القادمة، على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة، والتي تسارعت وتيرتها باحتمال دخول أطراف أخرى بشكل مباشر ، نتيجة إستهداف جماعة الحوثي للسفن الإسرائيلية التي تعبر تلك المنطقة، فضلا عن التوتر الشديد بين الولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال من جهة، وايران وميلشياتها في المنطقة من جهة أخرى.

ومن الجدير بالذكر، ان الحكومة سبق أن تبنت حزمة من السياسات والإجراءات الاقتصادية الحكومية التي سيتم العمل بمقتضاها مع بداية العام الجديد؛ أهمها بدء تفعيل عضوية مصر في مجموعة بريكس، والتي من الممكن أن تساهم بشكل كبير في انفراجة ملحوظة في أزمة النقص الحاد في موارد النقد الأجنبي، والتي تعتبر هي السبب المباشر في استمرار أمد الأزمة وتسارع وتيرتها بشكل مُقلق للغاية ، إذ ان عدم توسيط الدولار الأمريكي في كافة صفقات التبادل التجاري بين مصر والدول الأعضاء في مجموعة بريكس، فضلا عن الحصول على مزايا تفضيلية عند تنفيذ صفقات التبادل التجاري بين تلك الدول ومصر، من مبدأ الدولة الأولى بالرعاية المطبقة في اتفاقيات التجارة العالمية (الجات) من شأنه ان يحقق حصيلة وافرة من الدولار الأمريكي.

فضلا عن ذلك، من المتوقع ان تقوم الحكومة بتنفيذ حزمة من الطروحات الحكومية في الربع الأول من العام القادم، والتي سوف تجلب المزيد من تدفقات النقد الأجنبي بشكل كبير، والذي سيسهم في زيادة قيمة الاحتياطات الدولية لمصر لدى البنك المركزي ودعم ميزان المدفوعات، وضبط سوق الصرف الأجنبي، وبما قد يدعم السلطات النقدية للحفاظ على العملة المحلية؛ حال إجراء تعويم جديد للعملة المحلية امام الدولار الأمريكي، والذي من شأنه القضاء الجزئي للسوق السوداء للصرف الأجنبي، والتي تعتبر احد اهم التحديات امام صانعي السياسة الاقتصادية والنقدية في جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

إلا ان هذا التوجه لا يمكن أن ينسجم مع استمرار رفع اسعار الفائدة على الإيداع والإقراض او حتى الإستمرار في تثبيتها عند مستوى 19.25 & 20.25 للايداع والإقراض على الترتيب ،إذ ان استمرار وجود اسعار فائدة مرتفعة عند هذا الحد، من شأنه ان يواجه اي مسعى نحو تحقيق اي معدلات نمو اقتصادي معقولة ، على خلفية زيادة كُلفة الإئتمان امام الشركات والكيانات الاقتصادية التي تطلب الإئتمان اللازم لفتح خطوط إنتاج جديدة او حتى تطوير خطوط الانتاج القائمة، من أجل زيادة إنتاج السلع التي تلائم حجم الطلب المُتزايد ، حتى يتم كبح جماح التضخم الذي كسر حاجز 38٪، على خلفية ان المشكلة الاكثر شدة التي تواجه الاقتصاد المصري، هي صدمة في جانب العرض؛ وليست في جانب الطلب ، من منطلق ارتفاع أسعار السلع المستوردة؛ نتيجة إرتفاع أسعار النفط العالمية وزيادة تكلفة النقل والشحن والتأمين ، الناتجة عن تعطل سلاسل التوريد ،خصوصا بعد اندلاع الحرب الدائرة في الأراضي المحتلة، وهذا يؤكد ضرورة تبني التخفيض التدريجي لأسعار الفائدة خلال الفترة القليلة القادمة، والذي سيؤدي الى تخفيض نفقات إنتاج المنتج المحلي ،مما يؤسس لثقافة الاعتماد على المنتج المحلي وتخفيض فاتورة الاستيراد التي ستوفر موارد من النقد الأجنبي التي كانت ستخرج من البلاد ، فضلا عن ان وجود طلب المنتج المحلي ،سيعزز زيادة دوران عجلة الانتاج، وما له من انعكاسات إيجابية على تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد بشكل حقيقي.

والحقيقة أن إستمرار حدة القتال الدائر حاليا في قطاع غزه، سيظل هو التحدي الأكبر امام صانعي القرار والسياسة الاقتصادية والمالية والنقدية ، خصوصا في ظل التوترات الجيوسياسية في البحر الاحمر، والتي من المُمكن أن تؤثر بشكل مباشر على احد اهم الموارد السيادية للاقتصاد المصري، وهو المُتعلق بالممر الملاحي لقناة السويس، فضلا عن إرتفاع أسعار النفط والحبوب الاساسية ومُستلزمات الانتاج، نتيجة زيادة نفقات الشحن والتأمين والتأخير في تسليم البضائع في عرض البحر ،نتيجة تبني طرق بحرية تقطع مسافات طويلة حول القارة الأفريقية، وبما يشير إلى انتقاص للنتائج الايجابية التي سوف يتم تنفيذها مع بداية العام الجديد، في ظل التزام الحكومة بسداد نحو 30 مليار دولار خلال عام 2024.