مقالات مقال رأي بقلم: محمد فؤاد الخبير العقاري وعضو جمعية رجال الأعمال المصرية البريطانية

محمد فؤاد يكتب: ارتفاع مبيعات العقارات بنظام الملكية التشاركية في مصر.. رفاهية للبسطاء أم مؤشر ركود؟

في زمن تتبدل فيه المفاهيم الاقتصادية وتُعاد صياغة طموحات الأفراد، يبرز نظام الملكية التشاركية للعقارات كأحد أكثر الحلول ابتكارًا وإثارة للجدل في السوق العقاري المصري.
فمن جهة، يبدو هذا النظام بمثابة نافذة أمل لمن حُرموا من امتلاك العقار بسبب ارتفاع الأسعار، ومن جهة أخرى، يتهمه البعض بأنه مؤشر ركود مقنّع، تلجأ إليه الشركات لتجاوز أزمات التباطؤ في الطلب.

لكن الحقيقة، كما أراها من قلب القطاع، أكثر تعقيدًا وثراءً مما يبدو على السطح

من هو المستفيد الحقيقي من الملكية التشاركية؟

لنبدأ من السؤال الأهم: من الذي يخاطبه هذا النظام؟
الملكية التشاركية لا تستهدف فقط محدودي الدخل، بل تمتد لتشمل:
• الشباب حديثي التخرج الذين لا يملكون القدرة الشرائية الكاملة ولكنهم يرغبون في الاستثمار ولو بشكل جزئي.
• المصريين بالخارج ممن يريدون موطئ قدم استثماري دون مخاطرة مالية كبيرة.
• المستثمرين الصغار الراغبين في تنويع محفظتهم دون الدخول في التزامات كبيرة.

وبذلك يصبح هذا النظام بمثابة أداة لدمج الفئات المهمشة ماليًا في السوق العقاري، بعد أن أصبح التملك الكامل حكرًا على فئة ضئيلة من القادرين فقط.

لماذا يمثل هذا النظام فرصة حقيقية لمصر؟

في سياق اقتصادي يشهد ضغوطًا تضخمية متواصلة، وتراجعًا في القدرة الشرائية للجنيه، فإن تقديم أنظمة تملك مرنة يُعد ضرورة استراتيجية وليست رفاهية.
الملكية التشاركية تُقدم 4 فوائد رئيسية للاقتصاد المصري:
1. تحفيز الطلب العقاري:
بدلاً من ركود السوق بسبب ضعف الإقبال، يوفر هذا النظام آلية لعودة المشترين بشكل تدريجي دون تحميلهم أعباء تمويلية ضخمة.
2. تشجيع الاستثمار العقاري الشعبي:
هذا النظام يفتح المجال لعدد أكبر من المواطنين للمشاركة في سوق العقارات كـ مستثمرين صغار، مما يعزز من ثقافة التملك والادخار طويل الأجل.
3. جذب تحويلات المصريين بالخارج:
عبر تيسير فرص الاستثمار الجزئي، يمكن لهذا النظام أن يُضاعف من تدفقات الدولار إلى السوق العقاري، خاصة إذا دُعِم بمنصات إلكترونية شفافة وتوثيق رسمي واضح.
4. خلق سيولة لدى المطورين العقاريين:
بدلًا من الركود، يستطيع المطورون بيع وحداتهم بشكل أسرع وتحقيق دورة رأس مال أسرع، مما يُسهم في استقرار السوق واستدامة المشروعات.

ليس “ترقيعًا”.. بل نموذجًا عالميًا

من المهم التذكير بأن الملكية التشاركية ليست اختراعًا مصريًا، بل نظام معمول به في دول مثل الولايات المتحدة، كندا، ودبي، خاصة في العقارات السياحية أو الوحدات الفاخرة التي يصعب على فرد واحد تملكها بالكامل.

الفرق الحقيقي هو في كيفية التنظيم والتشريع.
ما نحتاجه في مصر الآن هو أن يتم تقنين هذا النظام ضمن إطار قانوني يحدد:
• شكل العقد التشاركي.
• آليات الخروج والدخول في الملكية.
• حقوق كل طرف في حالة الخلاف أو البيع.

 

من وهم الركود إلى واقع التمكين

من يعتبر هذا النظام “تعبيرًا عن أزمة”، يتجاهل الحقيقة الأوسع: أن السوق العقاري المصري لم يعد قادرًا على الاستمرار بنفس قواعد الماضي.
لم تعد آليات التملك التي تعتمد على دفعة مقدمة مرتفعة ثم تقسيط طويل الأجل تصلح لكل الناس.

نحن بحاجة إلى حلول جديدة تُعيد ضخ الدماء في شرايين السوق — حلول تستوعب المتغيرات الجديدة وتُحافظ على حلم التملك، ولكن بمعادلة أكثر عدالة.
وهنا يأتي دور الملكية التشاركية ليس كـ بديل مؤقت، بل كنموذج مستقبلي يحمل في طياته إمكانيات هائلة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي.

 

هل نحن أمام نظام عادل.. أم يحتاج إلى حوكمة صارمة؟

النمو المفاجئ في المبيعات بهذا النظام يجب أن يدفعنا ليس للذعر، بل لإعادة التفكير:
• كيف نحمي المشترين من الغموض؟
• كيف نضمن شفافية العقود؟
• كيف نُميز بين المشروع الجاد وبين “البيع الوهمي” المغلف بشعارات التمكين؟

الدولة عليها أن تتحرك سريعًا لتقنين هذا الشكل من التملك، من خلال:
• إعداد تشريعات خاصة أو إضافات واضحة في قانون التسجيل العقاري.
• إصدار نماذج عقود موحدة تضمن الحقوق وتمنع الاستغلال.
• إطلاق منصة إلكترونية رسمية تتيح تسجيل الحصص التشاركية وتداولها.

في الختام

الملكية التشاركية ليست نهاية الحلم.. بل بداية لرؤية جديدة.
رؤية تجعل من التملك العقاري خيارًا متاحًا لا حكرًا على الأغنياء، وتعيد رسم ملامح الاستثمار العقاري ليكون أكثر شمولًا وعدالة.

لكن مثل أي فكرة ثورية، تبقى قيمتها مرهونة بمدى تنظيمها وصدق نوايا من يروج لها.
فإما أن تكون فرصة تاريخية للتمكين… أو تتحول إلى فقاعة جديدة من الوعود المُعلبة.

الكرة الآن في ملعب الجميع: الدولة، المطورين، الإعلام، والمواطنين