جمال علام يكتب: إسرائيل بين غزة وطهران.. ميزانية تتآكل ونزيف لا يتوقف

منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم، تعيش إسرائيل واحدة من أعقد لحظاتها الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية. لم تعد الجبهات العسكرية محصورة في قطاع غزة، بل أصبحت تمتد من الجنوب إلى الشمال، ومن البحر إلى قلب الجغرافيا الإيرانية.
وبالرغم من الدعم الأميركي والغربي المتواصل، فإن إسرائيل تواجه الآن نزيفًا اقتصاديًا متصاعدًا، وبنية مالية تتآكل تحت وطأة الحرب طويلة الأمد.
أولًا: اقتصاد حرب مفتوحة.. بلا أفق زمني
تعيش إسرائيل اليوم اقتصاد حرب ممتدة، تكاليفها لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل تمتد إلى قطاعات الإنتاج، البنية التحتية، التكنولوجيا، سوق العمل، والسياحة. فقد ارتفعت النفقات الدفاعية بنسبة تقارب 40% منذ اندلاع الحرب، وتقدر التكاليف اليومية للعملية العسكرية في غزة وحدها بما يتجاوز 250 مليون دولار.
وبحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، فإن العجز المالي قد يصل إلى 6% من الناتج المحلي بنهاية العام، وهو أعلى معدل منذ جائحة كورونا، مع مؤشرات بتخفيض التصنيف الائتماني إذا طال أمد المواجهة.
ثانيًا: خسائر مباشرة وغير مباشرة.. أين يذهب المال؟
لاشك ان سوق العمل تأثر بوضوح، حيث جرى استدعاء أكثر من 300 ألف من قوات الاحتياط، ما أدى إلى تعطيل قطاعات الإنتاج ورفع نسبة البطالة المؤقتة، كما أن القطاع التكنولوجي – الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي – شهد تباطؤًا في التدفقات الاستثمارية، وهروبًا نسبيًا لرؤوس الأموال نحو ملاذات أكثر أمانًا، بالاضافه الي قطاع السياحة، والتي كانت تُدر أكثر من 6 مليارات دولار سنويًا، تراجعت بنسبة تفوق 80% منذ أكتوبر الماضي.
كما ان قطاع الطيران المدني الإسرائيلي خسر ما يزيد على 1.3 مليار دولار نتيجة توقف الرحلات وإلغاء الحجوزات، هذا بجانب ان الأسواق المالية شهدت حالة تقلب عنيف، وتراجع الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار بأكثر من 12% خلال أشهر قليلة.
ثالثًا: الجبهة الشمالية.. تصعيد مكلف بلا مردود استراتيجي
و مع كل يوم يمر، تزداد تكلفة المواجهة على الحدود مع لبنان، حيث ان حزب الله نجح في فرض معادلة استنزاف جديدة، مكلفة ومعقدة لإسرائيل، دون أن يدخل في حرب شاملة؛ وهو ما يعني أن إسرائيل مجبرة على الإنفاق، دون أن تُحقق مكاسب استراتيجية حقيقية.
ويُقدّر خبراء أن تكلفة أي حرب شاملة مع لبنان قد تتجاوز 100 مليار شيكل، أي ما يعادل 27 مليار دولار، فضلًا عن الخسائر البشرية والتبعات الدولية.
رابعًا: إيران.. معركة الظل تتحول إلى استنزاف مالي صريح
التصعيد مع طهران، خاصة بعد الضربات الجوية المتبادلة في أبريل الماضي، أدخل إسرائيل في مسار خطر وغير مسبوق. المواجهة المباشرة مع إيران ليست فقط مغامرة عسكرية، بل كارثة اقتصادية محتملة، خاصة في ظل غياب الدعم الإقليمي المباشر، وقلق المستثمرين من تحوّل المنطقة إلى مسرح حرب واسعة.
و كلما ازدادت التوترات مع إيران، ازداد الضغط على الأسواق الإسرائيلية، خاصة سوق الطاقة، وأسهم الشركات الدفاعية، والسندات الحكومية.
خامسًا: مجتمع يئن.. ومؤسسات مالية على المحك
في ظل هذا النزيف، يواجه المواطن الإسرائيلي تآكلًا في قدرته الشرائية، وارتفاعًا في الأسعار، خاصة المواد الغذائية والطاقة. وتوقّعت تقارير داخلية أن تزداد معدلات التضخم بشكل أكبر خلال الربع الثالث من 2025، ما سيؤثر على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
كما أن البنك المركزي الإسرائيلي يجد نفسه محاصرًا بين ضغوط كبح التضخم، والاحتياج لتيسير نقدي يحفّز الاقتصاد، وهي معادلة شبه مستحيلة في مناخ حرب مفتوحة.
ختامًا: ما بعد الحرب.. هل تملك إسرائيل رفاهية إعادة البناء؟
تواجه إسرائيل الآن معضلة اقتصادية حقيقية:كيف تُموّل حربًا متعددة الجبهات، دون أن تنهار داخليًا؟ ؛ وقد تنتهي الحرب يومًا، ولكن الاقتصاد الإسرائيلي سيظل ينزف لسنوات، خاصة إذا استمرت الجبهات مفتوحة، والخسائر تتضاعف.
ولكن يبقى السؤال الأهم:
هل تستطيع إسرائيل الصمود في ظل استنزاف مزدوج من غزة وطهران، أم أن التكلفة الباهظة ستدفعها إلى مراجعة حساباتها الجيوسياسية.
كاتب المقال – جمال علام الخبير الاقتصادي